أقيمت ندوة بعنوان "تأثيرات كؤوس العالم 1930-2014“ في مقرّ FIFA بين 24 و27 أبريل/نيسان، بحضور العديد من الاختصاصيين، أساتذة، مؤرخين وباحثين. قبل نحو سنة على عودة المسابقة الأولى إلى البرازيل، ركّز اوف سايد .على حلقة "البرازيل 1950- أبطال، أشرار ودراما المنتخب الوطني"، بقيادة برناردو بورجيس بواركي دي هولاندا، من مؤسّسة جيتوليو فارجاس في ريو دي جانيرو.
مال شرح بواركي في مقام أوّل إلى "التشديد على أهمية بناء ماراكانا بالنسبة إلى البلاد، دوره في كأس العالم وتأثيره في تنمية كرة القدم في البرازيل".
عام 1946 في مؤتمر FIFA في لوكسمبورج، اتُّخذ قرار منح كأس العالم FIFA 1949 إلى البرازيل (تأجلت في نهاية المطاف إلى 1950 لمنح مزيد من الوقت للمنظمين). لذللك أرادت الحكومة بناء ملعب كبير في العاصمة.
”حتى ذلك الوقت، كانت سعة ملاعب ريو متوسطة، وتابعة للأندية. ملعب فلوميننسي بسعة 20 ألف متفرج، أو ملعب فاسكو مثلاً بسعة أربعين ألف متفرج". ضرب ماراكانا المقاييس في تلك الحقبة: ”200 ألف مكان متاح، ما يعني 10% من عدد سكان ريو دي جانيرو في تلك الفترة، على مساحة 190 ألف متر مربع، ساهم في بنائه نحو 10 آلاف عامل استخدموا 500 ألف كيس من الإسمنت... يشرح بواركي: ”في قلب البرازيل، أصبح ماراكانا الأداة الأكثر وضوحاً لإظهار قوة البلاد، ونال اللقب المرموق كأكبر ملعب في العالم".
بالإضافة إلى الجانب المعماري الضخم، سمحت كأس العالم 1950 وماراكانا للبرازيل التأكيد للعالم ان عملية إعادة الديموقراطية للبلد في طور التنمية على قدم وساق. ”لهذا السبب نُفّذت حملات لتعزيز السلوك الجيد للحشود: تمحور الأمر حول عدم التسبّب بمشكلات، عدم رمي الأشياء على الأرض".
أكثر من ذلك، فقد اعتبرت السلطات الحاكمة آنذاك أن الملعب، المنظّم على مستوين اثنين وست فئات فرعية "وسيلة دمج تمحي الاختلافات، ترحّب بشعب ريو المتنوّع، أكان عرقياً، اجتماعياً، ثقافياً أو جغرافياً، واضعاً الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار، البيض والسود على مسافة واحدة"، بحسب ما يشرح المؤرّخ. كان ماراكانا مرآة المجتمع البرازيلي، وتجمعاً "للديمقراطية العنصرية البرازيلية المعترف بها آنذاك".
لكن حقيقة الأرض تغيّر المعطيات أحياناً. خسرت البرازيل يوم 16 يوليو/تموز 1950 أمام الأوروجواي في المباراة الحاسمة ومنحت اللقب لسيلستي. صدمة ذهبت أبعد ما يمكن أن نتخيّله. يفصّل بواركي: ”اعتُبر ذلك بمثابة موت فجائي لمئتي ألف متفرج. قد يبدو هذا مبالغاً فيه، لكن لا يمكن فهم كأس العالم هذه إلا من خلال الخيبة المرّة التي خلّفتها هذه الخسارة".
تابع: ”كان الإحباط أكثر وضوحاً بعد البداية القوية. فوزٌ على يوغوسلافيا 2-0، وعلى المكسيك 4-0، وإسبانيا 6-1، في وقت استفادت الأوروجواي من الانسحابات للوصول إلى هذه المرحلة. حالة أدّت إلى نشوة عامة قبل المباراة الأخيرة...“.
تحدّث المراقبون آنذاك عن جنازة لرؤية 200 ألف متفرّج يتركون الملعب: ”كانت السطات خائفة من تصرفات الجموع. لكن في نهاية المباراة، غادر الناس بهدوء، مذهولين على غرار موكب جنائزي طويل. لهذا السبب أثير مفهوم الموت الجماعي".
بعد هذه الخسارة المفجعة التي أصبحت مشهورة في اللاوعي الجماعي باسم "ماراكانزو"، اتهم بعض اللاعبين، وخصوصاً حارس المرمى، الذي لم يتعاف أبداً من تلك الواقعة. يحلّل الاستاذ: "القي اللوم على ثلاثة لاعبين بشكل خاص، ثلاثة لاعبين ملونين، ما أطلق النقاش حول العنصرية الكامنة في البرازيل وعقدة النقص في المجتمع البرازيلي".
اتهم أيضاً المدرب، السلطات والإعلام، ولأسباب مختلفة، للمساهمة في هزيمة المنتخب المسيطر على اللقاء. بالنسبة لبواركي، لم ينته هذا الإحباط سوى عام 1958 ”عندما أزيلت العقدة النفسية بالفشل في اللحظات الحاسمة عبر التتويج في السويد".
لكن إرث كأس العالم FIFA 1950 لا يُلخّص بهذه الخيبة الكبيرة. بواركي يحدّد ثلاثة جوانب إيجابية: ”شعبية أندية ريو مع القدرة على استيعاب المزيد من المشجعين في الملعب، الشهرة الدولية لأندية مثل سانتوس وبوتافوجو اللذين خاضا نهائي البطولة القارية عامي 1962 و1963 على ملعب ماراكانا، وأخيراً اعتماد الشكل البيضاوي لماركانا كنموذج معماري للعديد من الملاعب في البرازيل".
يبقى فقط التمني لماراكانا الجديد، الذي سيستقبل كأس العالم FIFA 2014، عيش ساعات مليئة بالشغف على غرار الملعب القديم عام 1950. مع الأمل أن يعيش الشعب البرازيلي خاتمة أقل ألماً...